يعد دير سورب ماغار الأرمني، المعروف أيضًا باسم دير القديس مقاريوس المبارك، نصبًا تذكاريًا بارزًا ليس فقط للهندسة المعمارية القبرصية في العصور الوسطى، ولكن أيضًا للهوية الثقافية الأرمنية. وتاريخها الذي يعود إلى قرون مضت، مليء بالأحداث المتعلقة بتعزيز العقيدة الأرمنية وتراثهم الثقافي. يقع الدير على ارتفاع 530 مترًا فوق مستوى سطح البحر، وسط غابات الصنوبر الكثيفة في سلسلة جبال بشبارماك، ويمتزج الدير بشكل متناغم مع المناظر الطبيعية المحيطة به. هذا مكان يجمع بين الهدوء الروحي والأهمية التاريخية.
منذ لحظة تأسيسها، لم تكن Surb Magar بمثابة مركز ديني فحسب، بل كانت أيضًا بمثابة مأوى لكل من يحتاج إلى الحماية أو الإلهام الروحي. إن المقر الصيفي للجالية الأرمنية في نيقوسيا، وملجأ للحجاج، ومدرسة وحتى مخيم للكشافة، ليس سوى جزء صغير من كيفية استخدام الدير على مدى تاريخه الطويل. وعلى الرغم من المحن الكثيرة التي حلت به، يبقى الدير رمزًا لإيمان ومثابرة الشعب الأرمني.
التأسيس والسنوات الأولى
تأسس دير سورب ماجر في القرن الحادي عشر تقريبًا على يد المسيحيين الأقباط المصريين. تم تكريسه تكريما للقديس مقاريوس الإسكندري، أحد الزاهدين المسيحيين الأكثر احتراما. ووفقا للبيانات التاريخية، أصبح هذا المكان ملجأ للرهبان الأقباط الذين كانوا يبحثون عن العزلة وفرص الممارسة الروحية بعيدا عن العالم.
ومع ذلك، في القرن الخامس عشر أصبح الدير تحت سيطرة الكنيسة الأرمنية. على الرغم من أن الظروف الدقيقة لهذا التحول لا تزال غامضة، إلا أن المؤرخين يتوقعون أنه كان مرتبطًا بنمو المجتمع الأرمني في قبرص بعد سقوط مملكة كيليكيا الأرمنية عام 1375. أدى هذا الحدث إلى هجرة جماعية للأرمن إلى أجزاء مختلفة من البحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك قبرص. قدم الأرمن الوافدون حديثًا مساهمات كبيرة في تنمية المجتمع القبرصي وأصبحوا جزءًا مهمًا من الحياة الدينية والثقافية المحلية.
فترات الرخاء والتجارب
لعب دير سورب ماغار دورًا رئيسيًا في حياة الطائفة الأرمنية في قبرص، على الرغم من تغير الأنظمة السياسية. في عهد البندقية والحكم العثماني، احتفظت الطائفة الأرمنية بالسيطرة على الدير. أصبح هذا ممكنا بفضل الجهود الدبلوماسية والاحترام الذي حظي به الدير بين السلطات المحلية.
وتجدر الإشارة بشكل خاص إلى فترة الحكم العثماني، عندما أعفى السلطان إبراهيم الأول الدير من الضرائب عام 1642، مما أكد أهميته. تم تأكيد فوائد مماثلة لاحقًا في عامي 1660 و1701، مما سمح للدير بالبقاء مستقرًا ماليًا والحفاظ على وظائفه الدينية.
إلا أن الدير تعرض مراراً وتكراراً لزلازل مدمرة، مما ألحق أضراراً كبيرة بهياكله. ومع ذلك، تم ترميمه في كل مرة من خلال جهود المجتمع المحلي والرهبان. في عام 1735، تم إجراء ترميم واسع النطاق، وفي عام 1814 تم تجديد الكنيسة وتم إنشاء مباني جديدة من طابقين لتلبية احتياجات المعيشة والمنزل.
الرسالة الاجتماعية للدير
بحلول بداية القرن العشرين، توقف دير سورب ماغار عن كونه مركزًا دينيًا حصريًا وبدأ في أداء الوظائف الاجتماعية. وخلال مذابح الأرمن في الإمبراطورية العثمانية عام 1915، أصبحت أسوارها ملجأ لآلاف اللاجئين الفارين من الإبادة الجماعية. تم إنشاء ظروف المعيشة هنا، وتم افتتاح مدرسة ومؤامرة منزلية. وقد تم استخدام الدير فيما بعد كمخيم صيفي للكشافة، مما يدل على أهميته في الحياة الاجتماعية للطائفة الأرمنية.
التراجع والنضال من أجل الحفاظ عليها
بعد تقسيم قبرص إلى قسمين شمالي وجنوبي عام 1974، اضطرت الطائفة الأرمنية إلى مغادرة شمال قبرص، وتم هجر الدير. وعلى مدى عقود من الإهمال، بدأت عناصره المعمارية في الانهيار، وأصبحت المنطقة المحيطة به متضخمة. وعلى الرغم من محاولات السلطات التركية في التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين تحويل الدير إلى موقع سياحي، إلا أن المجتمع الأرمني والمنظمات الدولية عارضت مثل هذه المبادرات.
منذ عام 2007، يقوم الأرمن برحلات حج سنوية إلى سورب ماغار، مؤكدين على أهميتها كرمز للإيمان والتراث الثقافي. وتبقى مع كنيسة مريم العذراء في نيقوسيا واحدة من أهم المعالم الدينية للطائفة الأرمنية في قبرص.
المعالم المعمارية والمناطق الطبيعية المحيطة
وحتى في حالته المهملة، يذهل الدير بهندسته المعمارية وانسجامه مع الطبيعة. تحتفظ جدرانها المغطاة بالطحالب وأشجار الفاكهة القديمة بجو الماضي. من ارتفاع المباني هناك مناظر خلابة للبحر الأبيض المتوسط والمناظر الطبيعية الجبلية، مما يؤكد تفرد هذا المكان.
خاتمة
دير سورب ماغار الأرمني ليس مجرد نصب تذكاري معماري، ولكنه أيضًا رمز للمثابرة والإيمان والهوية الثقافية للشعب الأرمني. يعكس تاريخها قرونًا من النضال والترميم والنهضة الروحية. يذكرنا هذا الدير بأهمية الحفاظ على التراث الثقافي الذي يوحد الأجيال ويلهم روابط أقوى مع الماضي.
سورب ماغار هو أسطورة حية تستحق الاهتمام والدراسة والاعتزاز حتى تستمر عظمته في إلهام الأجيال القادمة.
عرض على الخريطة هنا.